عن قمة باريس : " من أجل عقد مالي عالمي جديد " ياسين فرحاتي- كاتب من تونس بعد احتضنها خلال السنوات القليلة الماضية قمة عالمية حول المناخ، هاهي العاصمة الفرنسية باريس تحتضن بدءا من يوم الخميس و إلى غاية يوم الجمعة 23 جوان 2023، قمة بحضور 300 رئيس دولة و رئيس حكومة و شخصيات معروفة بقصر برونيار الذي يسحتضن النقاشات الستة و التي يشرف عليها رئيسة صندوق النقد الدولي بحضور رؤساء دول و حكومات و ينشطها إعلاميون كبار تحت شعار : " من أجل ميثاق مالي عالمي جديد ". و قد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أنه " علينا تحمل صدمة مالية إيجابية من أجل توفير ما يلزم من التمويلات لتحقيق التنمية ". أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد قال في كلمة متلفزة له : " من الضروري تغيير النظام المالي الحالي و إعادة هيكلته و خص بالذكر صندوق النقد الدولي و البنك الدولي مركزا في ذات السياق على الدور الأساسي للهندسة المالية". و من بين الحضور اللافت في هذه القمة الرئيس التونسي قيس سعيد الذي قدم مداخلة جيدة جمع فيها بين الهزل و الجد و نقتطف منها ما يلي : " ليس بعملية و منطق الكبير و الصغير يمكن بناء شراكة حقيقية بين الشمال و الجنوب بل على على قاعدة الند للند و مبدأ السيادة الوطنية" . و قد كانت له جملة من التساؤلات و الاستفسارات التالية : " هل يمكن أن نبني نظاما ماليا بنفس المقاييس و المعايير التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية لأننا كنا تحت نير الاستعمار و لم نشارك في وضع نظام بروتين وودز ؟ و هل يمكن أن ننطلق من جديد بناء على تصور صار باندا و لم صالحا لهذا الوقت. إنه علينا أن نفكر بطريقة مختلفة غير تلك الطريقة البالية التي كرست التفرقة و اللامساواة و البؤس و الفقر و الحرمان و الأرقام التي تم تقديمها خير دليل و شاهد على أن الوقت قد حان بالنسبة للإنسانية جمعاء بأن تفكر في الماضي و آلامه. " ثم أردف قائلا : " لماذا أمل الحياة في إفريقيا لا يزيد على أربعة عقود فقط ؟ لماذا يموت الأطفال من الجوع و الحروب التي يتم إشعالها ؟ " و واصل بالقول : " أريد أن أتحدث بصراحة حتى نبني من جديد. من يتحمل مسؤولية الإنتباه الحراري و انحبس الأمطار ؟ من الذي يتحمل وزر الجوائح التي عرفها العالم من الكوفي و تعرفون كيف يتم توزيع حقوق السحب الخاصة ؟ . نحن لا نتحمل أدنى مسؤولية في تلك الكوارث الصحية من جنون البقر إلى أنفلونزا الطيور. و ختم مداخلته القيمة جدا بالقول : " لماذا لا تعود الأموال المنهوبة إلى شعوبنا ؟ و قد أشار إلى تواطؤ الأنظمة الدكتاتورية و القمعية. نحن نريد أن نكون شركاء فعليين و حقيقيين معكم لأن مشاكل و أزمات العالم لا يمكن حلها بدون قيم و مبادىء العدل و الإنصاف و الحرية و هي مثل عليا من أجل إرساء نظام عالمي جديد يساوي بين الإفريقي و الآسيوي و الأمريكي و الأوروبي لأننا كلنا من جنس واحد. كلنا آدميون. و هو خطاب يقرب أو يتماهى مع خطاب القمة العربية الأخيرة و الذي أشار فيه إلى الدور الذي يجب أن يلعبه العرب في تشكيل نظام دولي جديد. و نختم هذه المقالة بإلقاء الضوء على دور الهندسة المالية في معالجة الأزمات من بحث علمي معنون: " دور الهندسة المالية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر و تأمين التنمية المستدامة " ، قامت بإعداد الدكتورة حوراء علي سيتي ، منسق كلية الاقتصاد و إدارة الأعمال بالجامعة الإسلامية في صور بلبنان. تأتي هذه الورقة البحثية لإبراز أهمية الهندسة المالية في تفعيل و تطوير سوق الأوراق المالية الخضراء باعتبارها مصدرا مهما من مصادر تمويل الاقتصاد الأخضر، حيث يعد تعدد و تنوع المنتجات المالية الخضراء أو البيئية بصفة عامة و المتداولة في السوق الأخضر ركيزة أساسية لتمويل الانتقال إلى هذا النموذج الاقتصادي الحديث ، و هذا باحتراف الخبراء و المنظمات و إلهيئات الدولية و الإقليمية المختصة في قضايا البيئة و التنمية المستدامة. فبتنوع المنتجات المالية البيئية يتمكن المستثمرين على المدى الطويل، من المؤسسات المالية العامة، بنوك التنمية و صناديق الثروات الوطنية و صناديق التقاعد و التأمينات، من تقليل المخاطر المالية و البيئية، و في نفس الوقت زيادة عوائدها، و هو الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة حجم الإستثمار في الأسواق الخضراء. و للتذكير فقد إنطلقت مبادرات الاقتصاد الأخضر الصادرة برعاية الأمم المتحدة في سياق التنمية المستدامة تدعو إلى نموذج تنموي متجر. و من المبادىء الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساو للتنمية الاقتصادية و العدالة الإجتماعية و المستدامة البيئية. و من المعلوم أن تلبية الأهداف الثلاثة يوفر أساسا سليما لمعالجة نقائص الاقتصادات العالمية، من تخفيف الفقر و البطالة، إلى تحقيق أمن غذائي و مالي و طاقي، إلى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. و يراعي الاقتصاد الأخضر الأبعاد البيئية و الاقتصادية و الاجتماعية في آن واحد. قمة باريس كما قال ماكرون ستكون " قمة الحلول " و يجب أن تكون كذلك لأن البشرية سئمت من الشعارات الرنانة و الخطابات البراقة لزعماء الغرب المتقدم دون أن ترى ما تطمح إليه على أرض الواقع و ذلك بسبب العولمة المتوحشة و سياسة دول الشمال الإمبريالية التي تستغل ثروات دول الجنوب. لا بد من صحوة أخلاقية و تواضع للكبار و رد الأعتبار لحضارات دول الجنوب.



